فصل: سؤال: لماذا خص الرجز بأنه من السماء؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.أسئلة:

لم قال في البقرة {وإذ قلنا} وفي الأعراف {وإذ قيل} لأنه صرح بالقائل في أول القرآن إزالة للإبهام، ولأن الكلام مرتب على قوله: {اذكروا نعمتي} وفي الأعراف لم يبق الإبهام. ولم قال هاهنا {ادخلوا} وهناك {اسكنوا}؟ لأن الدخول مقدم على السكون، والبقرة مقدمة في الذكر على الأعراف. ولم قال في البقرة {فكلوا} وفي الأعراف {وكلوا} بالواو؟ لما بينا في قوله: {وكلا منها رغدًا}. ولم قال في البقرة {خطاياكم} وفي الأعراف {خطيئاتكم}؟ لأن الخطايا جمع الكثرة، والخطيئات جمع السلامة للقلة، وقد أضاف القول هاهنا إلى نفسه فكان اللائق بكرمه غفران الذنوب الكثيرة، وهناك لم يذكر الفاعل فلم يكن ذكر اللفظ الدال على الكثرة واجبًا. ولمثل هذا الجواب ذكر هاهنا {رغدًا} ليدل على الإنعام الأتم، ولم يذكر في الأعراف، ولم قال هاهنا {وادخلوا الباب سجدًا وقولوا حطة} وفي الأعراف بالعكس؟ لأن الواو للجمع المطلق، ولأن المخاطبين صنفان: محسن ومذنب. واللائق بالمحسن تقدم العبادة والخضوع، ثم ذكر التوبة على سبيل هضم النفس وإزالة العجب. واللائق بالمسيء عكس ذلك، ولأنه ذكر في هذه السورة {ادخلوا هذه القرية} فقدم كيفية الدخول. ولم قال في البقرة {وسنزيد} وفي الأعراف {سنزيد}؟ لأنه في الأعراف ذكر امرين: قول الحطة وهو إشارة إلى التوبة، ودخول الباب وهو إشارة إلى العبادة.
ثم ذكر جزاءين أحدهما الغفران والآخر الزيادة، فترك الواو ليفيا توزيع الجزاءين على الشرطين. وفي البقرة وقع مجموع المغفرة والزيادة جزاء لمجموع الفعلين، أعني دخول الباب وقول الحطة، فاحتيج إلى الواو وأيضًا الاتصال اللفظي حاصل في هذه السورة بين قوله: {وإذ قلنا} وبين قوله: {وسنزيد} بخلاف لأن اللائق به في الظاهر سيزاد، فحذف الواو ليكون استئنافًا للكلام. وما الفائدة في زيادة كلمة {منهم} في الأعراف؟ لأن أول القصة مبني على التخصيص {ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون} [الأعراف: 159] فذكر أن منهم من يفعل ذلك، ثم عدد صنوف إنعامه وأوامره عليهم، فلما انتهت القصة قال: {فبدل الذين ظلموا منهم} فهناك ذكر أمة عادلة وأمة جائرة فصار آخر الكلام مطابقًا لأوله، وأما في البقرة فلم يذكر في أول الآيات تمييزًا وتخصيصًا حتى يلزم في آخر القصة مثل ذلك. لم قال في البقرة {فأنزلنا} وفي الأعراف {فأرسلنا} لأن الإنزال يفيد حدوثه في أول الأمر، والإرسال يفيد تسلطه عليهم واستئصالهم بالكلية، وذلك إنما يحدث بالآخرة. وقيل: لأن لفظ الإرسال في الأعراف أكثر فَرُوعي التناسب. لم قال في البقرة {بما كانوا يفسقون} وفي الأعراف {يظلمون} لأنه لما بين في البقرة كون الظلم فسقًا اكتفى بذلك البيان في الأعراف. وأيضًا إنهم ظلموا أنفسهم وخرجوا عن طاعة الله تعالى، فوصفهم بالأمرين في موضعين والله أعلم. اهـ.

.أسئلة وأجوبة:

.السؤال الأول:

لم قال في سورة البقرة: {وَإِذْ قُلْنَا} وقال في الأعراف: {وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ} الجواب أن الله تعالى صرح في أول القرآن بأن قائل هذا القول هو الله تعالى إزالة للإبهام ولأنه ذكر في أول الكلام: {اذكروا نِعْمَتِيَ التي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} [البقرة: 40] ثم أخذ يعدد نعمه نعمة نعمة فاللائق بهذا المقام أن يقول: {وَإِذْ قُلْنَا} أما في سورة الأعراف فلا يبقى في قوله تعالى: {وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ} إبهام بعد تقديم التصريح به في سورة البقرة.

.السؤال الثاني:

لم قال في البقرة: {وَإِذْ قُلْنَا ادخلوا} وفي الأعراف: {اسكنوا}؟ الجواب: الدخول مقدم على السكون ولابد منهما فلا جرم ذكر الدخول في السورة المتقدمة والسكون في السورة المتأخرة.

.السؤال الثالث:

لم قال في البقرة: {فَكُلُواْ} بالفاء وفي الأعراف: {وَكُلُواْ} بالواو؟ والجواب هاهنا هو الذي ذكرناه في قوله تعالى في سورة البقرة: {وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا} وفي الأعراف: {فَكُلًا}.

.السؤال الرابع:

لم قال في البقرة: {نَّغْفِرْ لَكُمْ خطاياكم} وفي الأعراف: {نَّغْفِرْ لَكُمْ خطيئاتكم}، الجواب: الخطايا جمع الكثرة والخطيئات جمع السلامة فهو للقلة، وفي سورة البقرة لما أضاف ذلك القول إلى نفسه فقال: {وَإِذْ قُلْنَا ادخلوا هذه القرية} لا جرم قرن به ما يليق جوده وكرمه وهو غفران الذنوب الكثيرة، فذكر بلفظ الجمع الدال على الكثرة، وفي الأعراف لما لم يضف ذلك إلى نفسه بل قال: {وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ} لا جرم ذكر ذلك بجمع القلة، فالحاصل أنه لما ذكر الفاعل ذكر ما يليق بكرمه من غفران الخطايا الكثيرة ة وفي الأعراف لما لم يسم الفاعل لم يذكر اللفظ الدال على الكثرة.

.السؤال الخامس:

لم ذكر قوله: {رَغَدًا} في البقرة وحذفه في الأعراف؟ الجواب عن هذا السؤال كالجواب في الخطايا والخطيئات لأنه لما أسند الفعل إلى نفسه لا جرم ذكر معه الإنعام الأعظم وهو أن يأكلوا رغدًا، وفي الأعراف لما لم يسند الفعل إلى نفسه لم يذكر الإنعام الأعظم فيه.

.السؤال السادس:

لم ذكر في البقرة: {وادخلوا الباب سُجَّدًا وَقُولُواْ حِطَّةٌ} وفي الأعراف قدم المؤخر؟ الجواب: الواو للجمع المطلق وأيضًا فالمخاطبون بقوله: {ادخلوا الباب سُجَّدًا وَقُولُواْ حِطَّةٌ}، يحتمل أن يقال: إن بعضهم كانوا مذنبين والبعض الآخر ما كانوا مذنبين، فالمذنب لابد أن يكون اشتغاله بحط الذنوب مقدمًا على الاشتغال بالعبادة لأن التوبة عن الذنب مقدمة على الاشتغال بالعبادات المستقبلة لا محالة، فلا جرم كان تكليف هؤلاء أن يقولوا أولًا {حطة} ثم يدخلوا الباب سجدًا، وأما الذي لا يكون مذنبًا فالأولى به أن يشتغل أولًا بالعبادة ثم يذكر التوبة، ثانيًا: على سبيل هضم النفس وإزالة العجب في فعل تلك العبادة فهؤلاء يجب أن يدخلوا الباب سجدًا أولًا ثم يقولوا حطة ثانيًا، فلما احتمل كون أولئك المخاطبين منقسمين إلى هذين القسمين لا جرم ذكر الله تعالى حكم كل واحد منهما في سورة أخرى.

.السؤال السابع:

لم قال: {وَسَنَزِيدُ المحسنين} في البقرة مع الواو وفي الأعراف: {سَنَزِيدُ المحسنين} من غير الواو؟ الجواب: أما في الأعراف فذكر فيه أمرين: أحدهما: قول الحطة وهو إشارة إلى التوبة، وثانيها: دخول الباب سجدًا وهو إشارة إلى العبادة، ثم ذكر جزأين: أحدهما: قوله تعالى: {نَّغْفِرْ لَكُمْ خطاياكم} وهو واقع في مقابلة قول الحطة.
والآخر: قوله: {سَنَزِيدُ المحسنين} وهو واقع في مقابلة دخول الباب سجدًا فترك الواو يفيد توزع كل واحد من الجزأين على كل واحد من الشرطين.
وأما في سورة البقرة فيفيد كون مجموع المغفرة والزيادة جزاء واحدًا لمجموع الفعلين أعني دخول الباب وقول الحطة.

.السؤال الثامن:

قال الله تعالى في سورة البقرة: {فَبَدَّلَ الذين ظَلَمُواْ قَوْلًا} وفي الأعراف: {فَبَدَّلَ الذين ظَلَمُواْ مِنْهُمْ قَوْلًا} فما الفائدة في زيادة كلمة {منهم} في الأعراف؟ الجواب: سبب زيادة هذه اللفظة في سورة الأعراف أن أول القصة هاهنا مبني على التخصيص بلفظ من لأنه تعالى قال: {وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بالحق وَبِهِ يَعْدِلُونَ} [الأعراف: 159] فذكر أن منهم من يفعل ذلك ثم عدد صنوف إنعامه عليهم وأوامره لهم، فلما انتهت القصة قال الله تعالى: {فَبَدَّلَ الذين ظَلَمُواْ مِنْهُمْ} فذكر لفظة: {مِنْهُمْ} في آخر القصة كما ذكرها في أول القصة ليكون آخر الكلام مطابقًا لأوله فيكون الظالمون من قوم موسى بإزاء الهادين منهم فهناك ذكر أمة عادلة، وههنا ذكر أمة جابرة وكلتاهما من قوم موسى فهذا هو السبب في ذكر هذه الكلمة في سورة الأعراف، وأما في سورة البقرة فإنه لم يذكر في الآيات التي قبل قوله: {فَبَدَّلَ الذين ظَلَمُواْ} تمييزًا وتخصيصًا حتى يلزم في آخر القصة ذكر ذلك التخصيص فظهر الفرق.

.السؤال التاسع:

لم قال في البقرة: {فَأَنزَلْنَا عَلَى الذين ظَلَمُواْ رِجْزًا} وقال في الأعراف: {فَأَرْسَلْنَا} الجواب: الإنزال يفيد حدوثه في أول الأمر والإرسال يفيد تسلطه عليهم واستئصاله لهم بالكلية، وذلك إنما يحدث بالآخرة.

.السؤال العاشر:

لم قال في البقرة: {بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} وفي الأعراف: {بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ}، الجواب: أنه تعالى لما بين في سورة البقرة كون ذلك الظلم فسقًا اكتفى بلفظ الظلم في سورة الأعراف لأجل ما تقدم من البيان في سورة البقرة، والله أعلم. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (59)}.
لم يمكنهم أن يردوا باب السماء باحتيالهم، أو يصدوا مِنْ دونهم أسبابَ البلاء بما ركنوا إليه من أحوالهم، فزعوا من الندم لما عضّهم ناب الألم، وهيهات أن ينفعهم ذلك لأنه محال من الحسبان. اهـ.

.سؤال: لماذا خص الرجز بأنه من السماء؟

الجواب: قال الراغب:
وتخصيص قوله: {رجزًا من السماء} هو أن العذاب ضربان: ضرب قد يمكن- على بعض الوجوه- دفاعه أو يظن أنه يمكن فيه ذلك، وهو كل عذاب على يد آدمي، أو من جهة المخلوقات، كالهدم والغرق، وضرب لا يمكن- ولا يظن- دفاعه بقوة آدمي، كالطاعون، والصاعقة والموت، وهي المعني بقوله: {رجزًا من السماء}. اهـ.

.من فوائد ابن عرفة في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {فَبَدَّلَ الذين ظَلَمُواْ قَوْلًا غَيْرَ الذي قِيلَ لَهُمْ}.
قال ابن عرفة: يكون القول بذاته مصروفا لنقيض الشّيء، فينصرف إلى ذلك الشيء باعتبار حال المخاطب، وعَبّر ب {الَّذِينَ ظَلَمُواْ} ولم يقل: فَبَدَّلَ الظالمون، لأن تعليق الذم على الوصف الأعم يستلزم الذم على الأخص من باب أحرى، وكذلك ذمّهم على تبديل القول يستلزم ذمهم على تبديل الكلام من باب أحرى لأنه إذا بدل أحد قرار المركب انتفى عنه التركيب.
فإن قلت: هؤلاء إنما بدلوا غير القول الذي قيل لهم، ومن بدل غير ما قيل له يذم، وإنّما يذم من بدل لا ما قيل له بغيره؟
فالجواب بوجوه: إما بأن في الآية حذفا، أي فبدل الذين ظلموا فقالوا قولا غير الذي قيل لهم، ويكون ذلك تفسيرا للتبديل كيف هو، وإما بأن يشوب بدل معنى أتى أي فأتى الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم، وإما بأن يكون بدل تعدى إلى الثاني على إسقاط حرف الجر أي فبدل الذين ظلموا قولا بغير الذي قيل لهم.
وذكر أبو حيان أن البدل قد يتعدى إلى المبدل وهو المعطي بنفسه وإلى المبدل به وهو المأخوذ بواسطة حرف الجر وأنشد عليه:
وبدلت والدهر ذو تبدل ** هيفا دبورا بالصبا والشمأل

والتقدير هنا فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم بالقول الذي قيل لهم.
قال ابن عرفة: وهو كقوله عز وجل: {وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ} قال ابن عرفة: وأخذ منه منع نقل الحديث بالمعنى، ورد بأنهم إنما ذموا على تبديل اللّفظ والمعنى.
وأجيب بأن الذم إنما علل بتبديلهم القول، والقول إنما يطلق على اللفظ فقط وأيضا فلعل هذه اللّفظة متعبد بها فلذلك ذموا على تبديلها.
ورده ابن عرفة بأنه يلزمكم التعليل بأمرين.
قال القاضي أبو جعفر بن الزبير: وقال هنا {فَبَدَّلَ الذين ظَلَمُواْ} فعمم ثم خصص ذلك العموم بالأعراف بزيادة منهم لأن المخاطبين ليسوا سواء في الامتثال قال الله عز وجل: {مِّنْهُمُ المؤمنون وَأَكْثَرُهُمُ الفاسقون} ولذلك أعاد الظاهر فقال: {فَأَنزَلْنَا عَلَى الذين ظَلَمُواْ} التختص العقوبة بالظالمين، ولو قال: عليهم لاحتمل العموم وهو غير مقصود.
قال: فإن قلت لم قال هنا: {بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} وفي الأعراف {بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ} وأجاب بأنه في البقرة وصفهم أولا بالوصف الأعم الصادق على أدنى المعاصي وأعلاها وهو الظلم ثم بالأخص وهو الفسق فقال: {وَمَا ظَلَمُونَا ولكن كانوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} ثم قال هنا: {رِجْزًا مِّنَ السماء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} وفي الأعراف وصفهم بالظلم في قوله: {بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ} ثم بالفسق فقال: {وَسْئَلْهُمْ عَنِ القرية التي كَانَتْ حَاضِرَةَ البحر} إلى قوله: {بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ}. اهـ.

.من فوائد الجصاص في الآية:

قال رحمه الله:
قَوْله تَعَالَى: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} يُحْتَجُّ بِهَا فِيمَا وَرَدَ مِنْ التَّوْقِيفِ فِي الْأَذْكَارِ وَالْأَقْوَالِ بِأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ تَغْيِيرُهَا وَلَا تَبْدِيلُهَا إلَى غَيْرِهَا وَرُبَّمَا احْتَجَّ بِهِ عَلَيْنَا الْمُخَالِفُ فِي تَجْوِيزِنَا تَحْرِيمَةَ الصَّلَاةَ بِلَفْظِ التَّعْظِيمِ وَالتَّسْبِيحِ، وَفِي تَجْوِيزِ الْقِرَاءَةِ بِالْفَارِسِيَّةِ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي تَجْوِيزِ النِّكَاحِ بِلَفْظِ الْهِبَةِ، وَالْبَيْعِ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ، وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ وَهَذَا لَا يَلْزَمُنَا فِيمَا ذَكَرْنَا لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا} إنَّمَا هُوَ فِي الْقَوْمِ الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ} يَعْنِي حُطَّ عَنَّا ذُنُوبَنَا قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أُمِرُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا.
وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُمْ أُمِرُوا أَنْ يَقُولُوا: هَذَا الْأَمْرُ حَقٌّ، كَمَا قِيلَ لَكُمْ وَقَالَ عِكْرِمَةُ: «أُمِرُوا أَنْ يَقُولُوا لَا إلَهِ إلَّا اللَّهُ فَقَالُوا بَدَلَ هَذَا حِنْطَةٌ حَمْرَاءُ تَجَاهُلًا وَاسْتِهْزَاءً» وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَعَنْ الْحَسَنِ: إنَّمَا اسْتَحَقُّوا الذَّمَّ لَتَبْدِيلِهِمْ الْقَوْلَ إلَى لَفْظٍ فِي ضِدِّ الْمَعْنَى الَّذِي أُمِرُوا بِهِ؛ إذْ كَانُوا مَأْمُورِينَ بِالِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ فَصَارُوا إلَى الْإِصْرَارِ وَالِاسْتِهْزَاءِ.
فَأَمَّا مِنْ غَيْر اللَّفْظُ مَعَ اتِّفَاقِ الْمَعْنَى فَلَمْ تَتَنَاوَلْهُ الْآيَةُ؛ إذْ كَانَتْ الْآيَةُ إنَّمَا تَضَمَّنَتْ الْحِكَايَةَ عَنْ فِعْلِ قَوْمٍ غَيَّرُوا اللَّفْظَ وَالْمَعْنَى جَمِيعًا فَأَلْحَقَ بِهِمْ الذَّمَّ بِهَذَا الْقَوْلِ وَإِنَّمَا يُشَارِكُهُمْ فِي الذَّمِّ مَنْ يُشَارِكُهُمْ فِي الْفِعْلِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، فَأَمَّا مَنْ غَيَّرَ اللَّفْظَ وَأَتَى بِالْمَعْنَى فَلَمْ تَتَضَمَّنَهُ الْآيَةُ، وَإِنَّمَا نَظِيرُ فِعْلِ الْقَوْمِ إجَازَةُ مَنْ يُجِيزُ الْمُتْعَةَ مَعَ قَوْله تَعَالَى: {إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} فَقَصْرَ اسْتِبَاحَةِ الْبُضْعِ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ، فَمَنْ اسْتَبَاحَهُ بِلَفْظِ الْمُتْعَةِ مَعَ مُخَالَفَةِ النِّكَاحِ وَمِلْكِ الْيَمِينِ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى فَهَذَا الَّذِي يَجُوزُ أَنْ يَلْحَقَهُ الذَّمُّ بِحُكْمِ الْآيَةِ. اهـ.